موضوع: الحضارة الام وادي النيل ووادي الرافدين السبت يوليو 19, 2008 3:17 am
اننا حين نطلق كلمة “الحضارة” انما لكي نميز بوضوح المتغيرات الذهنية والحسية للانسان في مرحلة ما قبل التاريخ، وانسان مرحلة ما بعد التاريخ، وكما هو دارج في الاساليب الدراسية، بان الانسان ما بعد التاريخ، يعني الانسان ما بعد التدوين واكتشاف الكتابة، فاذا كان انسان كهوف التاميرا يرسم على الجدران صور الحيوانات التي يخشاها، ولكنه قدم مقترحه على انها ضعيفة، واقعة تحت سطوته، ويرى بعض العلماء بان هذا الاسلوب في المحاكاة يقدم الايحاء المقرون بالسحر، ابتغاء تملك حق السيطرة على المخلوقات التي يخشاها ويرتعبُ منها. ولكننا، بازاء حضارتين، مهمتين، هما حضارة وادي الرافدين، وحضارة وادي النيل، فكما هو معروف بان هاتين الحضارتين، تُعدان من الحضارات الام، الاساسية في العالم. اننا، هنا، سنأخذ بعين الاعتبار القيم الفنية الخاصة بالفنون النحتية في كل من الحضارتين، مع وضع بعض الفروقات التي تعد سمات متميزة، فالفنون النحتية في بلاد الرافدين تبدأ مع الحضارة السومرية، التي شملت وسط وجنوب العراق، ولعل في اكتشاف الكتابة، وتأسيس اول مدرسة، ووضع انظمة التخطيط الحضري والاقليمي، وانسانية القوانين، وحرية الافراد ضمن حدود النظام، وانسنة الاسطورة والملحمة، ولبنات الديمقراطية الاولى في العالم، وملامح فكرة الحياة الفاضلة، كل ذلك يمثل فضيلة العقلية السومرية المبدعة للانسانية والتي مازالت “كونية” لاتحدها الحدود الزمانية والمكانية. اما النشاط الحضاري المصري، فانه جزء لا يتجزأ من ابداعات الانسان، لبلوغ فهم اعمق للواقع وتطويره، فاذا حاول السومري، ان يجد نقاط التقاء بين العقلي والحسي، فان المصري، توقف عند الصور الذهنية المادية وغير المادية. لقد اقام المصريون، تنظيماً متناغماً للحياة، بدلالة الاهرامات وما تخفيه من اسرار مدهشة، والكتابة الهيروغليفية التي تمثل كشفاً حقيقياً يدل على مقدرة الانسان المصري على الخلق والابتكار، وضخ المعاني، وتملك لغة البوح الخاصة. ان الفنون الفرعونية، ممثلة بالفنون النحتية وفنون الرسم والخزف والنقش، والعمارة والتزجيج والتحنيط وغيرها، تثير دائماً اهتمامات الفكر المعاصر، لما تتسم به من خيال خصب، وابتكار مدهش ومثير للكائنات الاسطورية، التي لا نجد لها مثيلاً في الطبيعة، ولا في الفنون الاخرى.
المشتركات: لماذا لم يذيّل الفنان اسمه على عمله الفني؟ - لقد درجت العادة، ومنذ الاف السنوات، ان يكتب الشاعر، والبناء، والرسام والنحات والخزاف، والخطاط، اسمه على عمله، فلا توجد قطعة فنية وغير فنية في بلاد الاغريق او الرومان ما لم تنتسب هذه القطعة الى اسم شخص صانعها، فتاريخ بلدان حوض المتوسط حافل باسماء النحاتين والرسامين والشعراء والحرفيين ولكن، في العراق ومصر، لم يرد في التاريخ اسم فنان واحد على الرغم من كون هذين البلدين، يعدان، من اكبر مغذيات العالم بالفنون. · ان الوعي الفكري، والانساني، يمثل نقلة نوعية جديدة في تاريخ الحضارة الانسانية، فحالة الوعي والادراك، ما بين النظام الطبيعي للوجود، والنظام ما فوق الطبيعي، تضمنت بالضرورة قوى غيبية لها فاعليتها الحيوية، ولقد وجد الفكر في الحضارتين وسيلته المعبرة عن احتياجه لفن النحت، لتوضيح مثل هذه الصورة الذهنية، فمن خلال الفنون النحتية اوجد الفكر الانساني، عوالم اخرى بديلة عن الواقع الحياتي. ان الاندفاعات لتكوين عوالم اخرى زاخرة بالقيم والمعتقدات، عن طريق الفنون، مهد للفكرة اخذ نوع من الثبات والديمومة، وكأن انسان الرافدين والنيل، ابتكر بدائله عن ظواهر الحياة، المتغيرة، فاكتسبت الظواهر والوقائع مضامين روحية بدلاً من خصوصيتها الواقعية المباشرة. ان احدى السمات المشتركة بين فنون وادي الرافدين ووادي النيل تكمن بوجود مُرسل هو “الفنان” الذي غيب حضوره واصبح ضمن جمهور المتلقين، وكما عبر “جان جينية” عن النحات في الازمنة السحيقة قائلاً: [اعبد ايها الملأ الى ما قد صنعت يداي.] وحين يصرف النظر عن تذييل العمل الذي انجزه، انما لكي يكون متعبداً فحسب، فالاشكال التي يبتكرها تتبع وظيفته السماوية التي خصته به الاقدار او الالهة، ومثل هذا الشعور كان ينتاب الفنان الايطالي “مايكل انجلو” الذي اعلن اكثر من مرة: بانه يعمل على وفق وظيفة سماوية وان مهمته لا تتعدى تقشير الحجر وازاحة الزوائد، فالاشكال الموحية بالكيانات التي يحررها موجودة اصلاً في جوف الاحجار الصماء، كذلك لنا امثلة عن عدم ذكر الفنان اسمه على عمله وذلك من خلال اعمال الخط العربي، التي يقوم بانجازها بعض الخطاطين، ولاسيما في كتاباتهم للايات البينات في المصحف الشريف، فالخطاط الاسلامي، يأبى على نفسه ادراج اسمه على القطعة الخطية، ذات المضامين القرآنية، لانه لا يرغب الا ان يكون العبد الفقير الى الله. فالماهية من الخطاب، تكمن في خصوصية الفكر الاجتماعي والديني ومحكومة، بقوى مرجعية ضاغطة، تحدد آليات الابلاغ ونظم التكوين، فالقوى المهيمنة في مرجعيات الخطاب، تتصل بالمعتقد الديني. ان ماهية الخطاب، امتلكت محفزات الوعي الاجتماعي، ومهما كانت نوازع الفكر الفردي للفنان، وتعبيراته السايكولوجية، فان بنية الفكرة، تبرز قيمة الذات الجمعية، فعن طريق الفن استطاع الفنانون الاوائل احياء عالمهم الحقيقي والوهمي، اذ ان الفنون، كانت بمثابة سلاح فعال في يد الجماعة لحل الاشكاليات الكامنة في معنى الوجود. لقد افرزت البنى الثقافية في الفنون الفرعونية، نظاماً معقداً للاشكال، البشرية، في التمثيل الفني، وهي اقرب للاشكال الاصطلاحية منها للاشكال الواقعية، فصور الرموزي الميتافيزيقية في الكتابة الهيروغليفية، تُبرز جوانب التسامي نحو مقام المثال، بحيث عظمت من مقام الانسان، وضاعفت من منزلته الارضية.
الملك والاخرون: · ثمة الكثير من المشتركات، التي تبرز دور البشر الذين كتب عليهم تأدية طقوس العبادة، في محاريب الالهة دون تقصير سواء كانت صور مؤداة على وفق منهجها الواقعي، المطابق للاصل بطريقة محاكية، ومرددة بامانة، ام كانت تمثل نزوعاً تجريدياً فالمحصلة، تكمن في الكيفية التي يستطيع بها الفكر، من توسيع افق النظم الدالة او الرامزة، والمختفية في بنية العلاقة بين الدال والمدلول، فهل يكون ذلك عن طريق الانتقال بالشكل بمعناه الواقعي وصورته العريضة، الى جوهريته الخالدة؟ - ام ان تمظهر الانسان بمسحة “الهيبة” وجذب “المغيبّ” نحو دلالاته المحسوسة؟ ·وحيث تبدو الفوارق بين انظمة الاشكال بسيطة، وتتصل بما تحمله الشخصيات من رموز دالة، لتؤدي دورها في مسرحية الوجود. · ان المشتركات، تتداخل في مظاهر الاختيار الواعي، فعناصر الاختزال، والحذف، والتبسيط، والتحريف، والمغايرة كل ذلك محض افتراضات، تعطي الطابع الآخر، الذي يقبل القراءة على انحاء شتى، كما يقبل التأويل بكل اشكاله. ان حقيقة المشتركات، تكون في اعلائها دور الحاكم السياسي او الالهة المهيمنة، واعطائهم اوصافاً مطلقة بالحقائق التاريخية، في حين ان مجاميع الناس “الشعب” اخذت طابعاً اقل اهمية في آلية التجسيد الفني، فالناس مجهولون وليسوا الشخصيات بعينها، فدورهم يتبع قدرهم، ووظيفتهم في المشهد لا تعني اكثر من تفعيل الحدث، فدورهم العددي، لا يخرج عن كونه رقمياً فحسب. وهنا: تداخلت الرموز، والاشارات، وذلك بالانتقال ما بين المعاني الارضية والمعاني الكونية الشاملة، فاغلب النماذج المتوفرة عن فنون وادي الرافدين ووادي النيل، تُجسد صور المجاميع البشرية في طوابير، ووفقاً لمتطلبات النصوص الملحمية او الاسطورية الرافضة للمحددات الزمانية والمكانية، وحتى العددية. · ان عبقرية النحات، القديم، تكون في اسباغ أنواع من التخييل على قيم الانشاءات التصويرية، ولكن بطرائق ادائية معقدة جداً، فالنصوص التشكيلية، تبدأ لحظة ادراك الحكاية الادبية، المروية، الا ان القيم الفنية سرعان ما تنفتح على المدركات المهيمنة في بنية الفكر الاجتماعي وفي ذلك، تفعيل “للمرجعية” باعتبارها، افرازاً من افرازات البنية الثقافية، وهذه البنية المنغلقة على ذاتها، والمكتفية بذاتها، كيفت انساقاً من الضغوط الفكرية، وفعلتها، بتسويغ من الروحية الميثولوجية التي تقبلها الذات الشرقية الجمعية، لانها تمثل له، نظاماً اعلانياً للشكل في مثاليته الموقرة. ان النشاطات الفنية، وعلى مدى تاريخ الحضارتين المصرية والعراقية، هي جزء من ابداعات الانسان عبر العصور لبلوغ اعمق فهم للواقع، فهناك المضمون والغاية والمدلول، وهناك التعبير والتظاهر والواقع، وبينهما تداخل واشتباك، فطبيعة الفكر وان حملت بعضاً من الخصوصية، فانها تميل الى تمثيل الاشكال في كليتها وفي جوهرها، وهنا يمكن لنا ان نصل الى نوع من الرمزية الواعية في توظيف مظاهر الاشكال باتجاه “ذائقية” الوعي الجمعي بكونها، خطابات تداول. وهذه بعض من الصور لحضارة وادي النيل العظيمة
وهذه بعض من الصور لحضارة وادي الرافدين
اترككم مع تاريخ العراق العظيم ... بلد الحضارات والاصول العريقة ....
هذه الصورة تم تصغيرها تلقائيا . إضغط على هذا الشريط هنا لعرض الصورة بكامل حجمها . أبعاد الصورة الأصلية 798x317 وحجمها 77 كيلو بايت .
لقد نقلت الموضوع واضفت عليه بعض التعديلات والصور ولعله ينال رضاكم
انس حاتم مشرف متميز
عدد الرسائل : 112 العمر : 35 تاريخ التسجيل : 10/06/2008
السبت يوليو 19, 2008 3:17 am
